متلازمة وليامز

متلازمة وليامز

Williams syndrome

لاحظ  وليامز (وهو اختصاصي بأمراض القلب من نيوزيلندا) عام 1961 أن فئة صـغيرة من مرضاه الأطفال كانوا يتشابهون في عدة خصائص. فإضافة إلى إصابتهم  بعيوب خَلقية في القلب كانت لهم ملامح وأشباه مميزة( مثل ارتفاع طرف الأنف  إلى أعلى و صغر في الذقن) ولديهم ضعف في المهارات العقلية.وكان تضيق المنطقة التي فوق الصمام الأورطي(الأبهر) مباشرة اكثر المشكلات القلبية شيوعا بينهم ( Supravalvular aortic stenosis).ومنذ ذلك الوقت، لاحظ الأطباء أعراض  أخرى في وقت مبكر من العمر. ففي السنة الأولى من العمر، قد يجد هؤلاء الأطفال  صعوبة في الرضاعة وقد يعانون من “مغص في  المعدة” والإمساك. كما يتصف الكثير منهم بشدة الحساسية للضوضاء  والأصوات العالية. وبعضهم لدية فتق في اسفل البطن(فتق الصفاق).ويرتفع عند العديد منهم ارتفاع في مستوى  الكالسيوم في الدم.

وعند البلوغ قد تخشن أصواتهم ويبدون متأخرين في نموهم الجسمي وقصر- بعض الشيء – في طول القامة. .يصحب ذلك تأخر في الجلوس والمشي فهم يبدؤون المشي في المتوسط في سن 21 شهر

ا ، وغالبا ما تكون حركات أيديهم الدقيقة ضعيفة بعض الشيء. وعند مقارنتهم بنظائرهما، ويبدو أنهم يشيخون في وقت مبكر (فيشيب شعرهم وتتجعد بشرتهم على سبيل المثال في وقت مبكر نسبيا)

هل متلازمة وليامز شائعة؟

ليست شائعة بشيوع متلازمة داون فهي تحدث بمعدل حالة واحدة لكل 000 20 ولادة على امتداد العالم.

الأعراض

إضافة لما ذكرنا فان معظم أطفال  وليامز لهم أشباه مميزة في الوجه.  وقد لا يتعرف عليها إلا أطباء الأطفال أو أطباء الوراثة. وتشمل هذه الأشباه انخفاض في الأنف وارتفاع في فتحة الأنف لأعلى،طول في الفراغ الفاصل بين الأنف والشفة العليا، الفم العريض , الشّفاه الممتلئة , الذّقن الصّغير و انتفاخ حول العينين . و يمكن في بعض الأحيان ملاحظة وجود حلقة كضوء النجمة في الجزء الأسود من العين

(القزحية) .وفي العادة لا تكون هذه الأشباه واضحة عند الولادة و تبداء بالوضوح اكثر فاكثر مع تقدم العمر.

القلب

اغلب أطفال متلازمة وليامز(اكثر من 75) لديهم عيب خلقي في القلب أو الأوعية الدموية المحيطة به.ويعتبر ضيق الشريان الأورطى ( في المنطقة التي تلي الصمام الأورطي) وضّيق  الشّرايين الرّئويّة من اكثر هذه العيوب انتشارا بينهم. وتتراوح شدة هذا الضيق من حفيف لا يستدعي أي علاج إلا شديد فيتطلب التدخل لتوسيعه بالقسطرة أو الجراحة.إن هؤلاء الأطفال لديهم قابلية لحدوث تضيق في الأوعية الدموية لذلك يجب قياس ضغط  الدم بشكل دوري لاكتشاف في وقت مبكر لبداء أدوية الضغط.

ارتفاع الكالسيوم في الدم

يكثر في السنة الأولى من العمر ارتفاع مستوى الكلسيوم في الدم . إن أسباب هذا الارتفاع غير معروف لدى الأطباء، فالموضوع فعلا محير .عند ارتفاع الكالسيوم قد  يبكي الطفل بشدة بشكل يشبه المغص.في بعض الأحيان قد يحتاج الأمر لتعديل  نوع الغذاء الذي يتناوله الطفل لتقليل كمية الكالسيوم الموجودة فيه . و في الغالب ينخفض مستوى الكالسيوم في الدم في السنوات الأولى من العمر.وبشكل عام ينصح بقياس  مستوى الكالسيوم في الدم والبول- إذا لزم الأمر – بين فترة و أخرى , .كما ينصح عدم إعطاء هؤلاء الأطفال الفيتامينات المتعددة نظراً لوجود فيتامين د فيها  والذي قد يرفع مستوى الكالسيوم في الدم.

الوزن والطول والتغذية

في العادة تكون أوزان أطفال متلازمة وليامز عند الولادة اقل بقليل من متوسط  الطبيعي.كما قد ينمون بشكل بطيء في السنوات الأولى من العمر.وعند البلوغ تكون أطوالهم  اقل بقليل عن مستوى أقرانهم.وتشيع في السنوات الأولى من العمر مشاكل التغذية والرضاعة.وقد تكون الأسباب ناتجة عن وجود رخاوة في عضلاتهم  فيكون مصهم وبلعهم  للحليب ضعيفا إلى حداً ما.وتتحسن هذه المشاكل مع تقدم العمر.

مشاكل الأسنان

تكون أسنان هؤلاء الأطفال في العادة اصغر من الطبيعي وتكون الفراغات بين الأسنان كبيرة.وقد يكون هناك عدم تطابق للأسنان بشكل صحيح تستدعي إجراء تقويم لها.

أمور أخرى

يتصف الكثير منهم بشدة الحساسية للضوضاء والأصوات العالية. والبعض منهم لدية فتق في اسفل البطن(فتق الصفاق).كما قد يكون هناك عيوب خًلقية وبعضهم لديه انخفاض في هرمون الغدة الدرقية.في الكليتين.

الأسباب

في عام 1993 اكتشف الأطباء أن سبب متلازمة وليامز هو فقدان قطعة صغيرة جدا من إحدى نسختي الكروموسوم (الصبغة)رقم سبعة. ويتوقع أن هذه القطعة المفقودة تحتوي على حوالي 15 مورث(جين) أو أكثر. ويتوقع الأطباء أن استكشاف هذه المورثات قد يعطي تفسير للكيفية التي تؤثر هذه المورثات على قدرات الإنسان وسلوكياته بشكل عام وعلى أطفال متلازمة وليامز بشكل خاص.

ووجد أن التضيق   في الشريان الأورطي نشاء من  طفرة في مورث يدعى ايلاستين Elastin(وتعني بالعربية بالمورث المرن)   وينتج هذا المورث بروتين يسمى بنفس الاسم ويدخل في تكوين الأنسجة الضامة التي  تدعم جدران  العديد من  الأوعية الدموية والأربطة والجلد(وهذا يفسر ضيق الشريان الأورطي و مرونة المفاصل والفتق وتجعد البشرة في وقت مبكر في هؤلاء الأطفال). ومن الواضح اليوم أن الطفرة في مورث ايلاستين تحدث في نحو 95فى المائة من مرضى متلازمة وليامز.

ولكن هذه الطفرة في مورث ايلاستين لا تفسر العلامات  السلوكية والمعرفية والعقلية لهؤلاء الأطفال.ولذي يؤكد هذه الشكوك هو حدوث هذه الطفرة في مورث ايلاستين في أطفال  لديهم تضيق في ضيق الشريان الأورطى ( في المنطقة التي تلي الصمام الأورطي)ولكن ليسوا مصابين بمتلازمة وليامز(أي ليس عندهم الأشباه ولا المميزات التي تحدث لأطفال متلازمة وليامز).إن مجرد النقص في ايلاستين  فقط لا يفسر جميع أعراض متلازمة وليامز.فربما هناك مورثات أخرى في نفس المنطقة من كروموسوم سبعة.

كشف النقاب عن العديد من تلك الجينات الموجودة في الذراع الطويلة من كروموسوم.7، ومن بينها مورث يدعى” ليم”LIM-kinase I والذي ينشط في الدماغ، وهذا يشير إلى إمكانية تأثيره في  نمو الدماغ وقيامه بوظائفه. ولكن الوظائف الدقيقة  التي تقوم بها بروتين هذا المورث فغير معروفة،وقد يمكن الكشف عنها في السنوات القليلة القادمة. اقترح الدكتور إيوإنت وزملاؤها أن (I LIM-Kinaseا ) قد يؤثر في المقدرة على إدراك العلاقات الحيزية ( وهي القدرة على تمييز بين الأشياء وعلاقتها بين بعضها البعض من ناحية الحيز أو المكان الذي تكون فيه)المكانية) spatial. وقد يساعد هذا الدور الوظيفي لمورث “ليم” على تفسير سبب صعوبة رسم أشياء شائعة بسيطة من الذاكرة بشكل مضبوط لدى أطفال متلازمة وليامز.وعلى نحو ما، فإن  هذه الميزات تعني بشكل عام  أن النقص في كروموسوم 7  في متلازمة وليامز يستثني بشكل رئيسي النصف الأيسر للدماغ  (وهو المنطقة الأهم بالنسبة للغة لدى الغالبية العظمى من الناس) ويعطل نصفها الأيمن (وهو نصف الكرة المخية الأهم للإدراك المكاني الإبصإري  visual – spatial perception  . ولكن ليس الأمر بهذه البساطة،فالقدرة التعبيرية  الانفعالية emotional expressiveness   هي أحد المهارات التي يجيدها هؤلاء الأطفال  تعتبر  من وظائف نصف الدماغ اليمن.

وهناك جين آخر في نفس المنطقة  من كروموسوم 7و ويسمى”ار اف سي” RFC2(اختصار للحروف الأولى من اسمه).وينتج هذا المورث نوع من البروتين له علاقة بنسخ (Replication ) الدنا ،ولكن إسهامه في متلازمة وليامز لم يثبت حتى الآن. إن الفهم الوراثي لمتلازمة وليامز لم يكتمل بعد .ومع ذلك، فاكتشاف الطفرة  في كروموسوم رقم 7  يطمئن الأمهات أن حالات أطفالهن لم تسببها أشياء فعلنها او لم يفعلنها أو قصرن في فعلها أثناء الحمل. فهذه الطفرة حدثت  في الحيوان المنوي أو البويضة التي خلق منها الطفل. كما  تطمئن هذه المعلومة أشقاء لأصحاء لهؤلاء الأطفال ا بأنهم  يحملون نسخ سليمة من كروموسوم  7 وخالية من الطفرة.(لأنه من المفترض ان يصاب كل شخص لدية الطفرة)، ولذلك فإن أي أطفال ينجبونهم لا يزيد احتمال إصابتهم بالمتلازمة على أي أطفال آخرين.

إن البحوث المتعلقة بمتلازمة وليامز ا مازالت في بدايتها حتى الآن، ولكن ما أنجز جعل الباحثين ينظرون إلى الأفراد “المتأخرين عقليا ” بمنظار جديد. وتظهر دراسة متلازمة وليامز عن قرب أن الدرجات المنخفضة لحاصل ذكاء المصابين بها قد تحجب عن العيان وجود قدرات مثيرة لديهم، كما تنبه إلى أن أفرادا آخرين ممن وصفوا بالضعف العقلي ربما كانوا يمتلكون قدرات كامنة خبيئة تنتظر كشف النقاب عنها. ولن يتم ذ لك إلا إذا تكلف الباحثون والمجتمع عناء البحث عن هذه المواهب وصقلها.

نقاط الضعف والقوة

مع أن   أطفال متلازمة وليامز قد يبدون مختلفين في الملامح عن بعضهم البعض إلا انهم غالبا ما يشبه أحدهم الآخر في الشكل والقدرات العقلية  . يجد الكثير منهم صعوبات واضحة في التعلم وفي العادة يكون لديهم ضعف في القدرات العقلية بشكل بسيط إلى متوسط عندما تقاس مستويات ذكائهم IQ ” . وفي العادة تتركز  صعوبات التعلم  لديهم في مجال القراءة والكتابة والحساب .فقد يحتاجون إلى جهداً كبيراً في حلال مسائل الحساب البسيطة.

ومع أن لديهم نقاط ضعف إلا انهم يعتبرون متفوقين ومتميزين وبشكل واضح بعض المجالات. فهم لا يظهرون فقط براع  في التحدث، وقوة فريدة في التعبير بل يجيدون التعرف على  الوجوه؛ كما يميلون في سلوكهم الجماعي إلى التأثر بمشاعر الآخرين وكثرة الحديث وحسن المخالطة.

فشخصيتهم ودودة و مهذّبة جدًّا.ويقتربون ويتحدثون مع الأغراب و مع البالغين.. و يمتلك  بعض هؤلاء الأطفال  موهبة موسيقية فذة. فيصغون إلى الموسيقى ويغنون ويعزفون على الآلات بشكل مدهش.وبعضهم لدية قدرة تامة أو شبه تامة على تعيين طبقة الصوت pitch  وإحساسا فائق بالإيقاع ( Rhythm ). وقد يحفظ  بعضهم موسيقى معقدة لسنوات عديدة ويتذكرون ألحانا وأغاني شعبية طويلة.ويستطيع بعضهم الإنشاد بألحان متناغمة، ويرتجلون ويلحنون القصائد الغنائية بسهولة.

وإضافة إلى امتلاكهم وفرة من المفردات اللغوية،فالمصابين بمتلازمة وليامز يكونون أكثر قدرة على التعبير من الأطفال الأسوياء. وفي أحد الاختبارات التي اجري على أطفال متلازمة وليامز طلب منهم أن يعدوا قصة لسلسلة من الصور غير المصحوبة بكلمات. فعندما كانوا يتلون قصصهم، غالبا ما كانوا يغيرون طبقة أصواتهم وشدتها أو يغيرون طول الكلمات وإيقاعها بقصد تحسين النغم الانفعالي للقصة. وعلى نحو مشابه، كانوا يضيفون مزيدا من الدراما لشد مستمعيهم، ومن. ومن الملفت والمحزن في نفس الوقت أن موهبة التحدث لدى الأطفال متلازمة وليامز قد تضلل المعلمين فتجعلهم يعتقدون أن لدى هؤلاء الأطفال مهارات فكرية متميزة أكثر مما يمتلكونه حقا. وفي هذه الحالة قد لا يحظى هؤلاء الأطفال بالدعم والمساعدة الخاصة الذي يحتاجون إليه.

ومما يثير الاهتمام أن دراسات حديثة على مفحوصين ولأفراد مصابين بمتلازمة وليامز  فرنسيين وإيطاليين توحي بأن أحد أوجه اللغة، ويطلق عليه علم الصرف morphology   وهو ذلك الجانب من قواعد النحو الذي يتناول تصريف الأفعال وتعيين صيغة الجنس من تأنيث وتذكير وكذلك صيغة الجمع- قد لا يبقى سليما تماما لدى  أطفال متلازمة وليامز (ونذكر هنا أن علم الصرف في اللغتين الفرنسية والإيطالية معقد إلا حد قريب من اللغة العربية).

التشخيص

يتم التشخيص عن طريق الفحص من قبل طبيب الأطفال أو طبيب الأمراض الوراثية. كما  يمكن إجراء فحص عام للكروموسومات و إجراء فحص خاص لكروموسوم رقم 7 عن طريق  التهجين الفلوري الموضعي ( Fluorescent in situ hybridization ( FISH  وهي  اختصار للحروف الأولى  لاسم هذا الفحص بالغة الإنجليزية .ويكون هذا الفحص إيجابي (غير طبيعي)في حوالي 95 % من الأطفال المصابين بمتلازمة وليامز.

العلاج

حتى الآن لا توجد طريقة لتعديل النقص الموجود في كروموسوم 7 نظرا لوجوده في جميع خلايا الجسم.ولا تبدوا هذه الطريقة من الأشياء التي قد يتمكن الأطباء في إجرائها على الأقل في المستقبل القريب.ولذلك يجب التركيز على صقل مهارات الطفل التعليمية و تدريبه و تعليمه .وينصح بالقيام بهذه الأمور في اقرب فرصة ولا ينتظر حتى يكبر الطفل أملا في أن يتحسن من نفسه.واضافة الى مراجعة اطباء القلب بصفة دورية فينصح على عمل فحص للكلى بالأشعة الصوتية وقياس هرمون الغدة الدرقية بشكل دوري(نسبة قليلة من هؤلاء الأطفال يحدث لهم نقص في هرمون الغدة الدرقية).كما ينصح بقياس مستوى الكالسيوم في الدم والبول ذذا لزم الأمر مع قياس ضغط الدم بشكل دوري واخذ الأدوية المخفضة للضغط إذا لزم الأمر.

المستقبل

اغلب البالغين يستطيع الاعتماد على النّفس ويكمل دراسته في فصول التعليم العام أو فصول الأطفال الذين لديهم صعوبة تعلم.ويمكنهم العمل في وظائف تحت أو بدون إشراف مباشر.ويعيش الكثير من البالغين مع والديهم

تأليف :  الدكتور عبدالرحمن فائز السويد

استشاري الأمراض الوراثية و طب الأطفال